التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الغجر.. منتشرون في كل الأمكنة والأزمنة






ليست هناك طائفة يمكنها مقارعة "الغجر" في المصائب والتناقضات التي مرت بها طوال تاريخها الممتد من الهند إلى الدول العربية ،فهم منبوذون من كل الأجناس،ومغضوب عليهم من الدول التي يلجئون إليها والكل يسعى لم
طاردتهم وطردهم كأنهم ميكروباً يخشون انتشاره في الهواء،وهم فقراء ومشردون،وأيضاً أثرياء،يمتلكون المليارات.

لكن أكثر من يعاني الآلام كلها النساء.. لا فرق في ذلك بين العراق أو أوربا .. ولذلك ألف قصة.

معظم الكتب التي تتناول تاريخ الغجر تنتابها الحيرة في معرفة من أين جاءوا ،لكنها تتشارك في التأكيد على أنهم أتوا إلى العالم من المنطقة الواقعة بين الهند وباكستان بعد أن تحولت إلى صحراء أوائل القرن الخامس عشر الميلادي،فتركوا المنطقة للبحث عن المراعي والأراضي الصالحة للزراعة،وأثناء المسيرة التحق بهم كثير ممن مروا بهم  من إيران والهند وجنوب تركيا وشمال سوريا ،وكذلك رومانيا والمجر.
ودائماً ما تمتلئ حياتهم بالمفارقات ففي انجلترا قبل الحرب العالمية الثانية كانوا ممنوعين من دخول الملاهي الليلية،كما كانوا مُراقبين من البوليس في فرنسا،وعلى يد هتلر وقواته تم اعتقال،و قتل 400 ألف منهم، ورغم كل ذلك كانوا يعلنون أنهم كاليهود شعب الله المختار ،وأنهم ينتظرون فناء العالم ليكونوا هم البذرة التي يحيا بها من جديد.
أسماء مختلفة
للغجر أسماء عديدة تختلف وفقاً للمنطقة،أو الدولة التي يعيشون فيها،ومنها:الدوم،الزط،السبابجة ،القرباط ،الغجار،الكاولية،النوّر،والصلبي.
وطوال التاريخ القديم يمارس الغجريون حياتهم كما يشاءون ،ويزاولون كل المهن،فهم  عمال تعدين ،ومنظفون لمداخن المنازل ، وكذلك مدربو دببة وحدّادين ،ومتسولون ،كما يحتالون على الناس بالتنجيم والشعوذة ويقيمون الحفلات الساهرة ،ويصنعون الطبول والخناجر.
إيطاليا .. وأوربا
في إيطاليا يعتقد 84٪ من السكان أن الغجر بدو رحل، ولذا قررت الحكومة عدم توطينهم في منازل أسوة ببقية اللاجئين، وأنشأت لهم مخيمات خاصة، يُطلق عليها مخيمات البدو، ونتيجة ذلك أصبحوا يعيشون في ما يشبه الجيتو، وتصرفوا على هذا الأساس، فصاروا يمنعون أقرانهم من التطور تماشيا مع بقية أفراد المجتمع، كما صاروا عاجزين عن حل مشكلاتهم.
لكن حدث أن عُثر على زوجة قبطان سفينة مقتولة في شارع مظلم في ضواحي المدينة، وألقيت التهمة على الغجر الذين كانوا يقيمون على مقربة من مكان الجريمة، ما دفع محافظ المدينة والتر فلتروني، إلى تدمير المخيمات غير الرسمية في المدينة، ودعا إلى إصدار قانون يهدف إلى طرد الأجانب، بما فيهم سكان دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، لأنهم يشكلون تهديداً أمنياً.
وفي رومانيا أيضا، يعيش الغجر منذ قرون، وقد ظلوا عبيداً حتى منتصف القرن التاسع عشر، كما أن معظمهم لا يزالون يعيشون في فقر مدقع، ويعانون اضطهاد الأغلبية من الشعب الروماني، فضلاً عن البطالة الواسعة جدا في صفوفهم.
وفي أوروبا يكسب الغجر رزقهم بشتى الطرق، إذ يعملون بالعرافة أو التنجيم، ونسج السلال، وتجارة الخيل والخردوات المعدنية، وينظر إليهم الأوربيون عادة باعتبارهم شعباً لا يُؤمن جانبه، ولديه القدرة على الخداع، والإغواء، طبقا للظروف.
الغجر .. والعرب
يحتفظ تاريخ العرب أيضاً بمفارقات تتعلق بالغجر،فجنوب العراق يتذكر لهم ثورة باسمهم انتشرت حكايتها في كتب التاريخ ،أخذت اسمها من لقبهم "الزطفقد تعاظمت مكانتهم عام 205هـ وتحكموا في منطقة جنوب العراق بكاملها ، فاضطر الخليفة العباسي المأمون لتوجيه جيوش لحربهم ،بعد أن قطعوا الطريق بين وسط العراق وجنوبه.
وتقول كتب التاريخ إن ثورة الغجر "الزط" أثرت كثيراً في هيبة الخليفة والدولة بسبب عجزها عن إخماد الثورة رغم قدرتها على إخضاع العديد من الثورات.
وتوفي الخليفة المأمون وفي قلبه حسرة ، وجاء المعتصم وهو قائد عسكري ، فتفرّغ لإنهاء مشكلات الدولة العسكرية الداخلية منها والخارجية ، وكان الزط في مقدمة اهتماماته.
ومع مجيء سنة 219هـ أرسل المعتصم احد أشهر قواد الدولة وهو عجيف بن عنبسة لحربهم،والذي جمع أخبارهم وعرف أماكن تحرّكاتهم والكثير عن قواتهم ثم عمل على سد نهري بردودا والعروس حتى انقطع ماؤهما،كما سد كل الأنهار المتفرعة عنهما حتى جفّت مياههما بعد أن عرف كيف يتجمع الزط حولهما ، ثم هاجم مواضعهم فأسر وقتل الكثيرين ولم يتوقف.
 ثم تابع عجيف حصاره لمناطق "الزط" ومهاجمة مواقعهم حتى ظفر بهم،واستسلموا له فنقلهم من مناطقهم بزوارق إلى بغداد وعددهم اثنا عشر ألف مقاتل وخمس عشرة ألف امرأة وطفل.
وكانت الزوارق تمر بموكب لثلاثة أيام وهم ينفخون بأبواقهم ، ومن بغداد نقلوهم إلى مواجهة الروم أمام بوابات الأناضول، ولكن حين هاجم الروم الدولة العباسية عام 241هـ، استاقوا "الزط" قاطبة مع ممتلكاتهم إلى داخل بلاد الروم، لم يفلت منهم احد لتبدأ رحلة الشتات الكبرى للزط في أوربا.
فبعد وصولهم إلى القسطنطينية وإقامتهم حولها، تحرّكوا غرباً متفرّقين إلى جماعات قليلة العدد ودخلوا أوربا كرحّالة مسالمين.
مع ذلك لم يرحل كل الغجر من العراق بل بقي قلة ،ومنهم رجلاً يدعى أبو حاتم الزطي الذي صار زعيماً لهم ، ويقال إنه حرّم عليهم الثوم والبصل والفجل والكراث ، وكذلك إراقة دماء الحيوانات.
حالياً يشكل الغجر في العراق أقلية ،وقد تراوح عددهم بين 50 و200 ألف نسمة منذ عامين، وهم ينتشرون في جماعات صغيرة على عموم القطر العراقي ، ويسكنون في تجمعات قروية أو بشرية عادة ما تكون منعزلة عند أطراف المدن ، حيث توجد تجمعاتهم في بغداد- ابي غريب والكمالية - والبصرة - شارع بشار وحي الطرب على طريق الزبير- والموصل في -هجيج والسحاجي- إضافة إلى بعض القرى في سهول جنوب العراق كالديوانية -قرية الفوارة- والمثنى ومنطقة -الفجر - في الناصرية.
النّور
هكذا ينادي أهل الأردن الغجر، والذين يتحدثون لغة خاصة بهم أشبه بالكردية.
وهم في الأردن يفترشون الطرقات بالعاصمة عمان، وقد يرتحل البعض منهم إلى الأغوار هرباً من برد عمان، وعادة يعيشون في عدة خيم ، بداخل كل منها ما يزيد على سبعة أفراد وأكثر،ولا تضم الخيمة سوى فرشات حصلوا عليها كصدقات من الناس.
وهم يتعاملون كأنهم يعيشون في عالم خاص بهم ، فملابسهم ينشرونها في العراء ،فيما يحصلون على الماء من خلال الأبنية قيد الإنشاء التي يعيشون عادة بجوارها.
وقد اكتسب الغجر عادات وتقاليد الأردن،حتى أسماؤهم صارت مثل أسماء الأهالي  في معانيها فلا اختلاف مطلقاً،كما عمل البعض منهم في مؤسسات حكومية،بدلاً من العمل بالمهن الحرة كعادة الغجر.
مصر .. أصل الكلمة
قد يبدو غريباً أيضاً أن تنسب كتب التاريخ الغجر إلى مصر،وأن تجعل من الترجمة الانجليزية المشهورة لكلمة مصري (Egyptian ) لقبهم المُعتمد عالمياً ،وهي تستمد ذلك من نظرية في علم الأجناس تقول إنّ الغجر هم أنفسهم المصريّون الذين قاموا بمطاردة اليهود في الصحراء وتاهوا أثناء المطاردة،حتى أن حكومة مقدونيا فوجئت بطلب إحدى المجموعات الغجرية تسجيل أبناءها باعتبارهم مصريين لتحديد هويّاتهم القومية في السجلاّت الحكومية.
كما كان الأديب البريطاني وليم شكسبير يعتقد أن الغجر من مصر‏،‏ لأن غجر بريطانيا زعموا ذلك‏،‏بسبب تشابه الحروف الإنجليزية بين كلمتي غجري ‏gypsi‏ ،ومصر ‏Egypt..
كما يذهب عدد من المؤرخين إلى أن الغجر قدموا مصر عام 1553م، وبأعداد كبيرة، وعاشوا على طول نهر النيل تحت أشجار النخيل.
لكن ذاك لم يشفع لهم في أن يتخذهم المصريون موطن سخرية،وجسراً يستخدمونه في تحقير من يريدون عبر مناداته بكلمة "ناس غجر".
ومن أشهر الأماكن التي شكلت أساساً لمعيشتهم في مصر منطقة تسمى"عشش الترجمان "، والتي كانت أشبه بمستوطنة معروفة للغجر،لكنها أزيلت عندما فكرت الحكومة المصرية قديماً في إنشاء مبنى التلفزيون المصري ،واحتل المبني أرضهم .
وفي مصر يعمل الغجر في مجال الترفيه كحواة،وقد احترفوا إنشاد الغناء الشعبي المصري ‏،‏ كما برعوا في "المزمار".
المرأة .. بألف رجل
في مجتمعات الغجر تنقلب الطبيعة التي اعتادها الناس في حياتهم رأساً على عقب،فالمرأة هي الزوجة ورجل المنزل معاً ،كون الرجل ينام في المنزل والمرأة تخرج إلى العمل.
ورغم أن ذلك لا يشمل الغجر في كل مدن العالم إلا أنه يُعد القاسم المشترك في حياتهم،ورغم ذلك تُعامل المرأة بالكثير من القسوة.
منذ صغرها تقوم الفتاة الغجرية بأداء كافة أعمال المنزل ورعاية إخوتها وأخواتها الصغار والرجال الكبار، وتمارس جميع مهام الطبخ والتنظيف والغسيل ، بزعم التدرب على الحياة الزوجية في المستقبل، ولا يتسنى لهن أن يصبحن طبيبات أو محاميات أو أي شيء من هذا ،ما يعني أنهن يعشن حياتهن كربات بيوت فقط.
كما تعتبر المرأة الحامل عند الغجر غير طاهرة، ومن ثم تعزل في خيمة منفصلة بعيدة عن الباقين ( يحدث هذا غالباً في لندن)، وتظل معزولة بعد الولادة لمدة تتراوح بين أسبوعين إلى شهرين، وبعدها تمارس حياتها العادية اليومية بصورة طبيعية.
ورغم كل ما يُقال عن الأخلاق السيئة للغجر إلا أن الواقع يؤكد العكس أحياناً ،حيث تمنع أخلاقيات الغجر الصارمة الفتاة من التودد للرجال أو مغازلتهم باعتباره أمراً مشيناً.
الزواج .. قمة العجائب
تبدو المفارقات الأكثر وضوحاً في حياة الغجر أثناء حفلات زفافهم ، ففيما يروج الكثيرون عن فقرهم ،تؤكد زيجاتهم أنهم أثرياء جداً.
فستان العروس الغجرية في لندن مثلاً يكون عادة مرصعاً بالألماس من 24 طبقة تحتية وذيل طوله 6 أمتار وقد يصل وزنه إلى 20 كيلوغراما أو أكثر.
وتتراوح تكلفة فستان الزفاف تتراوح بين 15 ألف إلى 50 ألف جنيه إسترليني، خاصة إذا تم تزيينه أيضا بفراشات ميكانيكية ترفرف بأجنحتها وبأضواء تكاد تخطف الأبصار.
وفي الحفل الذي يثير دهشة سكان بريطانيا تسير ما بين 12 إلى 22 وصيفة خلف العروس ،وعادة ما يكون فستان الوصيفة مطعماً بالترتر والنجوم والقلوب،وتصل تكلفة فستان الوصيفة الواحدة إلى 20 ألف جنيه إسترليني.
وتفضل العروس الغجرية أن تكون كعكة زفافها كبيرة جداً كي تتقاذفها صديقاتها بعد انتهاء مراسم الزفاف،ويتم تزيين الكعكة بالريش والجواهر،والألعاب النارية التي تختارها العروس بنفسها، ويصل ثمن الكعكة إلى 1000 جنيه إسترليني.
وتشتهر عرائس الغجر ببشرة يزينها اللون البرتقالي البراق المائل للحمرة،أما العريس الغجري فعادة ما يكتفي بارتداء بذلة عادية كأي عريس في العالم.
ويتم الزواج عادة وفقاً لتقاليد غجرية صارمة، تبدأ بأن يعطي الغجري الفتاة التي يختارها للزواج «الشال» الذي يلف به عنقه عادة،فإذا وضعته على عنقها فان هذا يعنى أنها قبلت الزواج منه،وبعد عقد القران،يتصافح الزوجان ويكسران قطعة من الخبز ويسكبان عليها قطرات من الدم من إبهاميهما، ثم يأكل كل واحد منهما القطعة التي فيها دم الآخر، تأكيداً لرابطة الدم.
و.. مفارقات أخرى في نقاط
·      يرفض الغجر أن يزوجوا بناتهم من غيرهم حيث ترتفع المهور لديهم ،وهو يتوقف على حجم ما يستفيده المجتمع من السيدة الغجرية التي تعمل وزوجها يجلس في المنزل ويعكف على تربية الأبناء فقط بينما تقوم هي بالتسول واستجداء المارة،وأحياناً النشل ومنهن من تسافر خارج الحدود لممارسة السرقة خاصة في موسم الحج.
·      لا يرغب  الغجر،ممن يقيمون بالصحراء إلحاق أولادهم  بالمدارس،خاصة أنهم ليس لديهم أية  أوراق رسمية لإثبات شخصياتهم.
·      يحترف الغجر العديد من المهن مثل الرقص،وعلاج البهائم،واصطياد الثعابين،والتسول وقراءة الطالع ،وتجارة الخردة والعطارة.
·      رغم اختلاطهم بالمجتمعات الحضرية والاندماج فيها إلا أن الغجر حافظوا واحتفظوا بعاداتهم وتقاليدهم.
·      عذرية الفتاه الغجرية ليلة الزواج يتوقف عليها عمرها كله، كذلك إذا أرادت الفتاة الغجرية الاقتران بشخص من خارج الغجر فهي تُقتل أيضاً.
·      في بعض الدول لكل مجموعة من الغجر محام خاص بها، لتكون مهمته مساومة من يتعرضون للسرقة ليتنازل عن إبلاغه للشرطة.
·      تمثل الفتاة الغجرية ثروة لأسرتها وبعضهن حقق شهرة عائلية بما استطعن سرقته من مبالغ مالية كبيرة،ما يبرر الارتفاع الكبير في مهور الفتيات الغجريات،لأن أسرتها ستفقد مصدر دخل كبير سينتقل مع الزواج إلي الزوج،لذلك يدفع هو عدة ملايين يدرك جيداً أنه سيستردها مستقبلاً.
·      أهم مهن الغجر :إحياء الحفلات بالعزف والغناء والرقص، وهؤلاء فئة تُسمى "الرياس" في بعض الدول العربية،وكانوا سابقاً يشكلون فرق جوالة صغيرة تظهر في مواسم عودة الحجاج إلى بلادهم،وحفلات الأعراس والختان.
-----------------------
المصادر:
·      الحقيقة الدولية – مصطفى عمارة.
·      عادات الشعوب وتقاليدها - أديب أبي ضاهر.
·      دائرة المعارف الإسلامية.
·      لسان العرب.
·      أدب الكدية في العصر العباسي-أحمد حسين.

تعليقات